بين العنف والحرمان.. هيئة الأمم المتحدة للمرأة تكشف معاناة نساء وأطفال غزة
بين العنف والحرمان.. هيئة الأمم المتحدة للمرأة تكشف معاناة نساء وأطفال غزة
في واحدة من أكثر الشهادات الإنسانية عمقاً وإيلاماً، أكدت هيئة الأمم المتحدة للمرأة أن نساء قطاع غزة يخضن معركة يومية من أجل إبقاء أسرهن على قيد الحياة في ظل ظروف تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات العيش.
وفي مؤتمر صحفي عقد في جنيف، الثلاثاء، كشفت صوفيا كالتورب مسؤولة الشؤون الإنسانية في الهيئة تفاصيل مشاهداتها بعد عودتها مباشرة من القطاع، مؤكدة أن الصور المتداولة لا تقترب من حقيقة ما تعيشه النساء هناك، فقد تنقلت كالتورب من شمال قطاع غزة إلى جنوبها، لتقف على واقع وصفته بأنه أبعد ما يكون عن الاحتمال، حيث الخيام الضيقة والملاجئ المزدحمة والبيوت التي لم يتبق منها سوى أطلال، وفق موقع أخبار الأمم المتحدة.
قالت كالتورب إنها التقت بنساء أخبرنها بأن وقف إطلاق النار لا يعني عودة الحياة، فالخوف ما زال يسيطر، والقصف وإن خفف حدته لم يتوقف تماماً، والقتل ما زال يتسلل عبر الطرقات والأنقاض والملاجئ، وأضافت أنها لا تستطيع الادعاء بأنها تعرف حجم آلام النساء في غزة، لكنها تستطيع أن تحمل أصواتهن إلى العالم، وأن تصف ما رأته من شجاعة في مواجهة اليوميات العصيبة التي لا تمنح فسحة لالتقاط الأنفاس.
النساء خط الحماية الأخير
تقول كالتورب إن المرأة في غزة أصبحت خط الدفاع الوحيد المتبقي لأطفالها، هي من تواجه الجوع والخوف في آن واحد، وتحاول امتصاص الصدمات والأحزان التي تتراكم يوماً بعد آخر، فالمشهد اليومي يتكرر بلا توقف، أمهات يقضين ساعات طويلة بحثاً عن الغذاء والماء والدواء، في حين يحاولن في الوقت نفسه حماية أطفالهن من برد الليالي ونيران الأسلحة، ومن الشعور المتزايد بانعدام الأمان.
وتشير إلى أن أكثر من 57 ألف امرأة في غزة يعلن أسرهن بمفردهن، بعد أن فقدن أزواجهن أو انفصلن عنهم بسبب الحرب، وأنهن يخضن حالياً معركة إعادة البناء في ظل ظروف تكاد تكون مستحيلة.
لم يكن الأمر مجرد فقر أو فقدان للمأوى، بل حالة من الانكشاف التام أمام تقلبات الطقس، تروي كالتورب أن المياه تتسرب إلى الخيام المؤقتة، فتجعل الأطفال يرتجفون طوال الليل، هذا المشهد تكرر عشرات المرات في أماكن مختلفة بقطاع غزة، فالنساء يدركن أن الشتاء قادم بقسوته، لكنهن عاجزات عن توفير الدفء أو الغطاء أو حتى سقف يصد الرياح، وقد التقت كالتورب امرأة دمر منزلها بالكامل، لكنها تعود كل صباح إلى أنقاضه لتجمع الحطب وتحرق بقايا الأبواب التي كانت تحمي عائلتها يوماً، كي تطهو وجبة بسيطة لأطفالها، وهذه القصة، كما تقول، ليست حالة منفردة بل جزء من واقع يعيشه آلاف النساء.
غلاء يفوق القدرة
بعد مرور شهر ونصف على وقف إطلاق النار، ما زالت الإمدادات الغذائية شحيحة إلى حد يهدد الاستقرار الأسري والمجتمعي، فقد ارتفعت أسعار المواد الأساسية بشكل جنوني، حتى أصبح سعر البيضة الواحدة دولارين، وهو مبلغ لا تستطيع غالبية النساء تحمل كلفته.
وتقول كالتورب إن النساء اللواتي التقت بهن اضطررن للتنقل من مكان لآخر عشرات المرات، وإحدى النساء أخبرتها أنها نزحت خمساً وثلاثين مرة منذ أكتوبر 2023، وكل مرة كانت تضطر لحمل أقل ما يمكن من الأغراض، وأن تقرر بسرعة بين مكانين كلاهما غير آمن، في حين تصحب معها أطفالها الصغار وآباءها المسنين.
من النتائج المروعة للحرب، بحسب تقرير هيئة الأمم المتحدة للمرأة، أن أكثر من 12 ألف امرأة وفتاة في غزة أصبن بمعوقات طويلة الأمد جراء الهجمات، تلك الإصابات لا تعني فقدان القدرة الجسدية فقط، بل تعني مساراً كاملاً من الألم النفسي والاجتماعي، وفقدان فرص التعليم والعمل، واحتياجاً مستمراً للرعاية التي لا تتوفر في معظم الأحيان، وتشير المنظمة إلى أن هذه الأزمة تزداد سوءاً مع نقص المساعدات الطبية وضعف البنية الصحية.
عزيمة ترفض الانكسار
ورغم قتامة المشهد، تقول كالتورب إن ما لمسته في وجوه النساء في غزة هو الإصرار على الحياة والرغبة في البناء، فقد أكدن لوفد الأمم المتحدة أنهن يردن العمل والمشاركة في إعادة إعمار القطاع والإسهام في إنتاج مستقبل أفضل لأبنائهن، وتضيف أن النساء عبّرن عن رغبة قوية في الحصول على الفرص والعدالة والكرامة واستعادة حقوقهن الأساسية، وفي مقدمتها حق أطفالهن في العودة إلى المدارس التي تحولت إما إلى ملاجئ وإما إلى أطلال.
تؤكد هيئة الأمم المتحدة للمرأة أن نساء غزة يحتجن بشكل فوري إلى استمرار وقف إطلاق النار، وزيادة الإمدادات الغذائية، وتوفير مساعدات نقدية تساعد على تأمين احتياجات الحياة الأساسية، إضافة إلى لوازم الشتاء من أغطية وملابس دافئة ومواد عازلة للخيام، وتشدد على ضرورة تقديم الخدمات الصحية والدعم النفسي والاجتماعي، خاصة للنساء اللواتي فقدن أزواجهن أو أصبن بمعوقات، وتحث المنظمة المجتمع الدولي على ألا يغض الطرف؛ لأن ما تواجهه النساء في غزة اليوم لا يمكن اعتباره حالة عابرة، بل معركة شرسة من أجل البقاء.
تختتم كالتورب شهادتها بالقول إن ما يعنيه أن تكون امرأة في غزة اليوم يجب أن يحرك الضمير العالمي؛ لأن أي امرأة على هذا الكوكب ينبغي ألا تواجه كل هذا الألم وحدها، وتطالب بأن يكون دعم النساء في غزة أولوية إنسانية لا تتأخر، من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل أن تتسع الفجوات وتزداد المعاناة عمقاً.
تواجه غزة منذ سنوات طويلة حصاراً خانقاً أثر بصورة مباشرة في الأوضاع الاقتصادية والصحية والاجتماعية، لكن الحرب الأخيرة فاقمت كل مظاهر الضعف وفاقت قدرة السكان على التحمل، ويعاني القطاع من تدمير واسع للبنية التحتية، ومن نقص حاد في الغذاء والماء والدواء والوقود، ووفق منظمات دولية، فإن نسب الفقر بلغت مستويات غير مسبوقة، إلى جانب ارتفاع معدلات النزوح الداخلي، حيث تشردت مئات آلاف الأسر مرات متعددة.
وتعد النساء والفتيات الفئة الأكثر تضرراً من هذه الأزمة بسبب فقدان المعيل وتراجع الخدمات الصحية وتزايد مخاطر العنف والإيذاء، كما أن تدمير المدارس والمستشفيات والمراكز الاجتماعية جعل الحياة اليومية أكثر صعوبة، ورفع الضغط النفسي على الأمهات اللواتي يحملن وحدهن عبء توفير الأمان والغذاء والحماية في ظل بيئة غير مستقرة.











